كثر الحديث في الفترة الراهنة عن الماء
باعتباره مادة أساسية للحياة وأن استمرار نذرته في كثير من المناطق يهدد
وجود هذه الحياة بها لأي مخلوق.
وكما هو معلوم فالديانة الإسلامية
التي جاءت استمرارا وختما للرسلات السماوية السابقة ونظرا لاعتبارها عقيدة
وشريعة ونظاما ربانيا متكاملا جاء لإسعاد الإنسان في دينه ودنياه وآخرته،
نجد فيها كل ما يهم حياة الإنسان، ومن بين ذلك الحديث عن الماء.
وفي
هذا المقال الموجز سأتعرض بإيجاز كبير من جهة إلى جوانب من اهتمام هذه
الديانة بهذا العنصر الحيوي، ومن جهة ثانية إلى كون عنصر الماء بفاس من
دواعي اختيار المولى إدريس الثاني رضي الله عنه موقعها للتشييد به هذه
مدينة، وعلى كون هذا العنصر ساهم في تطورها.
ومن الناحية
الاصطلاحية: يقصد بالماء سائل عليه عمل الحياة في الأرض، ويتركب من اتحاد
الادرجين والأكسجين بنسبة حجمين من الأول إلى حجم من الثاني، وهو في نقائه
شفاف لا لون له، ولا طعم ولا رائحة ، ونجد منه ما يلي:
أ-العذب: وهو ما قلت نسبة الأملاح الذائبة فيه بحيث أصبح سائغا في الذوق من ناحية ملوحته.
ب-الملح: وهو ما زادت نسبة الأملاح فيه على نسبتها في الماء العذب.
ت-المعدني: وهو الطبيعي الذي يخرج من جوف الأرض وبه أملاح ذائبة تكسب طعما خاصا وقد يكون له خواص طبية.
ث-المقطر: وهو الناتج عن تكثيف بخار الماء وهو خال من الأملاح.
ج-العسر:
وهو الذي لا يحدث رغوة مع الصابون بسهولة عند الثياب لاحتوائه على أملاح
الكلسيوم والمغنسيوم ذائبة فيه. وأما الذي يحدث رغوة مع الصابون بسهولة فهو
الماء اليسر.
ح-الزهر: وهو محلول مائي يحضر بالتقطير البخاري للزهور الناضرة، ولهذا المحلول رائحة الزهرة المقطرة مثل الورد.
ومن
الناحية الجغرافية: ينقسم الماء إلى ماء باطني وماء الجاذبية وماء جاوي
وماء حبيس وماء حفري، وماء معدني وماء وليد مائيات، ثم إلى ماء حيوية .
وتشكل
المسطحات المائية نحو 72 % من إجمالي مساحة الأرض ومجهود الإنسان فيها لم
يتعد مرحلة الجمع والالتقاط أو كما يقول بعض رجال الاقتصاد مجرد نزع القشرة
من السطح.
ويمكن أن تكون ميدانا لنشاط الإنسان الاقتصادي على
المتقبل القريب، وتبلغ مساحة البحار 1400000 ميل أي 367 كلم2، وهي تتراوح
في عمقها من مجرد شاطئية لا يتعدى عمقها 200 متر تمثل الأرصفة القارية،
ويزيد بعض الأعماق إلى ما يتراوح بين 5، 1 إلى أكثر من ثلاثة أميال. وهذا
العمق يختلف من مكان لآخر، وهذه الأعماق تكون 2/5 لسطح الكرة الأرضية على
الأقل، والباقي جهات شاطئية أقل من ذلك ، أو تزيد أعماقها على هذا المعدل
وتبلغ مساحات محيطات العالم كالآتي:
*المحيط الهادي: 000 400 69 ميل2.
* المحيط الأطلسي: 000 400 35 ميل2.
* المحيط الهندي: 000 500 29 ميل 2.
* المحيط القطي: 000 5300 ميل 2.
ويتضح أن أعظمها مساحة هو المحيط الهادي الذي يشغل نحو نصف المسطحات المائية .
ونجد في كتب الأدب العربي الحديث عن الماء نظما ونثرا وأذكر على سبيل الذكر لا الحصر قول عبد السلام بن رغبان الحمصي.
"فاصرف بصرفك وجه الماء يومك ذا حتى ترى نائما منهم ومنصرفا
وقيل:
"وهو الماء إذا أجمعته طاب ورده ويفسد منه أن تباح شرائعه
وقال بعض الحكماء: " إذا مات العالم بكاه الحوت في الماء، والطير في الهواء. ويفقد وجهه ولا ينسى ذكره".
وتجدر الإشارة أن الماء هو و أصل كل الأحياء وفي هذا الإطار يقول الله تعالى: (وجعلنا من الماء كل شيء حيا).
وعن
أبي هريرة قال: قلت يا رسول الله إني رايتك طابت نفسي وقرت عيني، فأنبئني
عن كل شيء، قال صلى الله عليه وسلم: " كل شيء خلق من ماء" .
ويقول الله عز وجل: (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) .
وعند
الاطلاع على معظم أهم كتب الحديث النبوي الشريف وكتب الفقه الإسلامي نجد
في كل واحد منها بابا خاصا بالوضوء وسننه باعتبار النظافة من الإيمان،
وأنها تعتبر هي المرحلة الأولى الواجب القيام بها قبل أداء الصلاة، وهذه
النظافة تكون على مستوى البدن واللباس وقر العبادة.
إذن قبل ولوج
أداء الصلاة فالطهارة أساسية، والإنسان المؤمن يكون طاهر البدن، والثياب
والمسكن على شاكلة طهارة النفس والروح. فمن جهة يؤدي ذلك إلى تحقيق الصحة
البدنية، ومن جهة ثانية إلى الصحة النفسية والروحية للإنسان المؤمن الذي لم
يخلق عبثا وإنما خلقه الله تعالى لطاعته وتطبيق تعاليمه، ويعتبر ذلك هو
الهدف من استخلافه في الأرض.
ونموذج اهتمام العلماء المسلمن- رحمهم
الله- بالطهارة نجد إمام دار الهجرة مالك بن أنس في كتاب الموطأ حيث خصص
لها تسعة أبواب وهي كما يلي:
أ-باب العمل في الوضوء
ب-باب وضوء النائم إذا قام للصلاة
ت-باب الطهور للوضوء
ث-باب ما لا يجب منه الوضوء
ج-باب ترك الضوء مما مسته النار
ح-باب جامع الوضوء
خ-باب ما جاء في المسح بالرأس والأذنين
د-باب ما جاء في المسح على الخفين
ذ- باب العمل في المسح على الخفين .
ونجد
من فضائل الوضوء كون الإنسان المسلم إذا نام على الوضوء وجاء أجله فهو قد
مات على دين الإسلام، كما أهبر بذلك البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم الذي مما قاله في هذا الحديث: "....فإن مت من ليلتك
فأنت على الفطرة" .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: " عن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار
الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فيلفعل"، متفق عليه .
وعن أبي
هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا توضأ
العبد المسلم- أو المؤمن- فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه
مع الماء أو مع آخر قطرة الماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان
بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة
مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب". رواه
مسلم .
وبخصوص الآية القرآنية: ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنن)
ذكر أنها نزلت في عبد الله ابن رواحة الذي كانت له أمة سوداء، وكان قد غضب
عليها فلطمها....ثم إنه فزع....وذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنها
تصوم وتصلي، وتحسن الوضوء وتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله. فقال
صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله هذه مؤمنة..." .
ولقد دعا الإسلام
إلى الاقتصاد وعدم التدبير والإسراف في استعمال الماء فقلة الماء مع إحكام
الغسل سنة، والسرف منه غلو وبدعة، وقد توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم
بمد، وهو وزن رطل وثلث، وتطهر بصاع وهو أربعة أمداد بمده عليه الصلاة
والسلام , كما روت أم المؤمنين عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل
بقدر الصاع ويتوضأ بقدر المد .